أحمد شندي يكتب: الاقتصاد السياسي لغة العصر

من قبل كانت السياسة والإقتصاد علمين منفصلين عن بعضهما البعض؛ فالسياسة كانت تعتمد على القانون أما الإقتصاد كان العلماء يعتبرونه علم تجريدى لا أصل له حتى إنهار نظام بريتون وودز النقدى وأزمة حظر النفط عام 1973، وقد ساهم هذا الإنهيار فى ظهور نظام الإقتصاد السياسى والذى يهدف إلى معالجة الإشكالات الإجتماعية فى ظل العولمة.

ومنذ مئات السنين إهتم الإقتصاد السياسي بعدة أفكار، ومنها: الليبرالية والقومية والماركسية، ومن المفترض أن كل فكرة من هذه الأفكار تختلف عن الأخرى فى تأثير السياسة على العلاقات الدولية وتوزيع الثروات، وهنا يتعلق الإختلاف فى توزيع الأدوار بين الدولة والسوق فى تدبير إحتياجات المجتمع على المستويين المحلى والدولى، حيث إنه أهتم أيضا بالتفاعل المتبادل بين الإقتصاد والسياسة على الساحة الدولية .

وعلى مر العصور عرفت المؤسسات المصرفية كيف تستغل المتاح لها؛ ففى عصرنا هذا أصبح لها القدرة على إستغلال التقنيات الحديثة كى تدعم نشاطها تيسير نظم الدفع والمعاملات المصرفية ومنح الإئتمان وتعبئة المدخرات حيث تطور الإستخدام من عملات مسكوكة إلى عملات ورقية نقدية إلى شيكات ورقية ثم بطاقات الدفع الفورى من الماكينات ثم الخدمات المصرفية عبر شبكة الإنترنت، وبالرغم من ذلك نرى أن التحول الرقمى و تكنولوجيا المعلومات قد تفوقت على المؤسسات المصرفية لتحل محلها فى الآونة الأخيرة.

والاقتصاد السياسي يرتبط ارتباطا تاما بعصرنا، وهو عصر التحول الرقمى فهو لغة العصر من وجهة نظرى؛ وذلك لأن المعاملات الاقتصادية الرقمية بين الدول تقوم على المعاملات السياسية الوثيقة وإن لم يكن هناك تعاون سياسى فلن يوجد تعامل اقتصادي، فالشرق الأوسط والدول العربية وبعض دول العالم يواجهون تأثير الأرض ببرها وبحرها وموقعها وثرواتها على السياسة فى مقابل سعي السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق نظرة مستقبلية، وظهر ذلك بوضوح فى دول الربيع العربي تونس ومصر وليبيا واليمن.

بعد إنهيار النظم القديمة، لم يظهر بشكل واضح ما يمكن أن يحل محلها فبالإضافة إلى التحوّلات الاقتصادية الكلية التي لابد منها، فإن إقامة نظم جديدة يتطلّب من الدول أن تبدأ نظام المحاباة وشبكات المحسوبية التي تشوّه المخرجات الاقتصادية وتحدّ من توليد فرص العمل. ومن هنا، فإن التحدي الاقتصادي لم يكن تقنيا وحسب بل كان سياسيا في الوقت نفسه.

تُواجه كل دولة عربية تحديات فريدة من نوعها في بناء أطر إنتاجية مؤسسية، وسيكون من واجب كل دولة أن تجد مصادر مبتكرة للثروة والإنتاج مرتفع القيمة، وتحسّن من مستوى توزيع الموارد الاقتصادية، وتقيّم المؤسسات السياسية المناسبة. غير أن بعض عناصر محددة مشتركة وواضحة؛ لأن إقامة نماذج الاقتصاد السياسي العربية الناجحة ستتطلّب من القادة استثمارا مجديا في الفئات المهمّشة، مثل الشباب والنساء كما أن على هذه النماذج أن تخلق أطرا تنظيمية ترتكز على قواعد واضحة، وتتميّز بالعدل والشفافية وتشجّع وضع مقاييس أخرى جديدة للمحاسبة. وينبغى على كل النظم الحديثة أن تخلق الضوابط والموازين التي تخضع الساعين للتمتّع بالفائدة إلى المنافسة الحقيقية.

ومن وجهة نظرى أن الاقتصاد السياسى يرتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية المستدامة، فهما يقومان على الصناعة والابتكار والاستثمار فى البنية التحتية للدول والحد من عدم المساواة والفقر وإقامة مجتمعات محلية جديدة لتسع الزيادات السكانية المستمرة وإمكانية الحصول على الأساسية من تعليم وصحة ومأوى وتوفير فرص عمل لائقة وغير مضرة بالبيئة، ويهدف أيضا إلى التحكم فى التغيير المناخى حيث إنه يؤثر على الإقتصادات الوطنية وبالتالى يؤثر على حياة البشر وتعطيل قدراتهم الإنتاجية.